الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقد تعيّنت أولا بحكم العين في الكون، وليس إذ ذاك من العين إلّا نفس التعيّن.فإذا دخلت الوجود الكوني وقعت في دائرة المغالبة بين حكم طهارتها الأصليّة وبين الانصباغ الذي تقتضيها الأحكام الكونيّة، من حيث حقائقها المختلفة أخذا وردّا، وتأثيرا وتأثّرا، وقيدا وإطلاقا ببطون وظهور، فلا تزال كذلك إلى أن تكمل تلك الصفة الإلهيّة بظهور أثرها في الطور والمقام الإنساني الذي هو المجلى المقصود، ويستفيد الإنسان أيضا من حيث تلك الصفة كمالا حاليا وصفيّا يتّحد به ويترقّى إلى الطور الإلهي، الذي هو حضرة أحديّة الجمع، فإذا ظهر سرّ الكمال من حيث كلّ اسم وصفة وحال ومظهر ومرتبة وزمان وموطن في المقامين: الإلهي، والكوني، وتحقّق العبد بحكم الطورين: الإطلاق من حيث حضرة الحقّ، والتعيّنات من حيث الرتبة العبدية، فانطلق العبد في قيد، وتقيّد الحقّ في إطلاق، فقد ظهر الكامل الجامع المقصود، ونعم الرفد المرفود، والمقام المحمود.والثناء الذي به الختام:اللهمّ إنّك قد علمت وعلّمت أنّ الثناء من كلّ مثن على كلّ مثنى عليه تعريف للمثنى عليه، فإمّا من حيث الذات أو الصفات أو الأحوال أو المجموع، وظهور كلّ ذلك أو بعضه بحسب ما يليق بجلالك منّا متعذّر إلّا بك لأنّك غير معلوم لغيرك كما تعلم نفسك، فإن أصبنا في أمر من تعريف أو غيره فأنت المصيب فيما أبديته لنا من صور مدحك وحقائق ثنائك وأحكام شؤونك وأسمائك ونحو ذلك، والمظهر ما اخترت ظهوره من أحوال ذاتك وملابس بقائك. وإن أخطأنا أو قصرنا فلسنا الملومين حيث رشحنا بما انطوينا عليه.وما أدع فينا بموجب استعدادنا ومبلغ علمنا وبحسب زعمنا: إنّما نثبته لك أو ننفيه عنك هو كمال لائق بك، أو أمر صالح نسبته إليك.اللهمّ فلك الحمد الجامع لكمال المحامد كلّها، المطلق عن قيود النعوت والأحكام والتصوّرات، حسب ما ترضاه لنفسك منك وممّن اخترت ظهور ثنائك به، أو تكميله بما أظهرت به وله، على ما أصبنا من الأحكام والتعريفات المضافة في ظاهر المدارك منّا وبنا إليك.ولك الحمد أيضا على ما قبلنا منك من حيث إقامتك لنا في مقام القبول منك ولك العقبى، ومنك نرجو العفو في مقام الأدب التامّ وبلسانه عمّا أخللنا من واجب حقّ عظمتك وجلالك عجزا وقصورا عن الإحاطة بكنهك، والاطّلاع على سرّك، والاستشراف على أمرك إذ لا نعلم من حيث إضافة العلم وغيره من الأوصاف إلينا، ولا نستطيع حالة التعريف الحمد والثناء- الذي هذا لسانه- أكثر مما ظهر بنا.فإن ازددنا سعة وحيطة واستشرافا ظهرت منّا وبنا إذ ما من كوامن الزيادات إلّا ما شئت ظهوره، ولك أوّل الأمر وآخره، وباطنه المجمل وظاهره، وإن اتّصفنا بعد بالحصر ووقفنا، فلنا النهاية لا لك، إلّا من حيث نحن، ولا غرو إذ جملة ما اطّلعنا عليه أنّه ما من معلوم تعيّنت صورته تماما في علمك إلّا ولابد أن يظهر حكمه بك وفي حضرتك، ومن جملة ذلك ظهور معنى النهاية وثبوتها لموصوف مّا بها، وحيث لم تجسر العقول على نسبته إليك لجلالك، فنحن له أهل إذ لا ثالث، فلا عتب، ولنا العذر أيضا إن نحن ظهرنا بما لا يصحّ نسبته لغيرنا، وهذا عذرنا وحالنا، مع كلّ ما يجزي عليه لسان ذمّ، ويوسم بالنقص من حيث الاسم والوصف، ومع ذلك كلّه فمنّا الإقرار بألسنة المراتب والأحوال والأسرار، بل لنا العلم بما علّمتنا، والحكم أنّ الحجّة البالغة لك على من جعلته سواك في كلّ موطن ومقام إذ لا شيء لشيء منك إلّا ما أضفته لتكميل مراتب ظهوراتك، وبسط أنوار تجلّياتك، بتعيّنات مراداتك، لا أنّ أحدا منّا يستحقّ دونك إضافة شيء إليه إضافة حقيقيّة بنسبة جزئيّة أو كلّيّه.وكيف يصحّ ذلك والأمر كلّه لك؟! بل أنت هو الظاهر في صور أحوالك التي هي تفصيل شأنك، ونشر بساط سعة علمك الذاتي، وحيطتك بالأشياء التي جعلتها مكنوناتك، فاقتضى كمالك الحاكم على جلالك وجمالك تخصيص كلّ حال واسم، وإضافة كلّ متعيّن بحكم خصوصيّته المميّزة له من مطلق شأنك، ونعته وتعريفه برسم، ليظهر التعدّد، ويكمل ظهور السعة المستجنّة في غيب الذات بدوام تنوّعات ظهورك والتجدّد.فمن غلب عليه حكم حصّة من شأنك، على حكم أحديّة ذاتك لانحرافه- وإن عدّ من العلماء- نسب ما أدرك إلى الشأن، بل إلى خاصّة وتوهّم من اسمه ورسمه غير الحقيقة لحد عن الطريق، فعاد حكم ذلك في ملابس ابتلاءاتك المرضيّة وغير المرضيّة عليه، حيث كان وكيف كما أخبرت في كتابك المجيد بقولك: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} ومن بقي بحكم ذاتك ولم تستهلكه وتقهره أصباغ ظهوراتك، ثبت شهوده ومعرفته من حيث هما لك حالة اختلاف أحكام شؤونك التي هي عند من شئت أسماؤك وصفاتك، فلم ينحرف إلى طرف من الوسط، وكان ممّن استوطن بالذات مركز الدائرة الوجوديّة وأقسط.اللهمّ وأنت المسؤول من حيث مبلغ العلم الحالي- أن لا تنظمنا في سلك، ولا تقرّنا بأهل صدق ولا إفك، بل إن اخترت تعيّننا ولابد بأمر أو أمور، فليكن تعيّنك لنا بحسب تعيّنك إذ ذاك، وعلى نحو ما تختاره لنفسك من نفسك، وممن شئت من المتعيّنين باعتبار نسبة التعيّن إليك، أو إليه لك.وإذ قد أهّلتنا لهذا الأمر، وأطلعتنا على هذا السرّ، فلا تقمنا بعد في حال ولا مقام يقتضي ثبوتنا، وثبوت شيء مّا لنا، أو طلبه منّا إلّا وكن الكفيل بالقيام بحقّك في ذلك، والمنسوب إليه ما هنالك، لتحصل السلامة من كلّ شوب، والطهارة والخلاص من كلّ ريب، وخذنا منّا وكن لنا عوضا عن كلّ شيء، وأعنّا على ما تحبّه وترضاه لك منّا، ولنا منك، كلّ الحبّ والرضا، في أكمل مراتب محبّتك، وأعلى درجات رضاك، آمين.تمّ الكتاب {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ} {ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} والأمر كله للّه. هو الأوّل والآخر، والظاهر والباطن.تمّت وقد وقع الفراغ من تسطير هذه النسخة الشريفة المسمّاة بإعجاز البيان في تفسير أمّ القرآن من مصنّفات شيخ المحقّقين وزبدة الأكملين برهان المدقّقين وأبي الأولاد الإلهيّين صدر الملّة والحقّ والدين وأبي المعالي محمّد بن إسحاق القونوي الرومي تلميذ الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قدّس سرّهما ونوّر ضريحهما، آمين.خاتمة التحقيق:بعد حمد اللّه تبارك وتعالى على توفيقه لإتمام هذا العمل، يجب علينا أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّه لم يكن عندنا في تصحيح هذا الكتاب أيّة نسخة خطّية، فاعتمدنا على النسخة المطبوعة بمصر بتحقيق الأستاذ عبد القادر أحمد عطا ونسخة الأستاذ العلّامة السيد جلال الدين الآشتياني المصحّحة والتي قوبلت باهتمام الأستاذ دام ظله على نسختين مخطوتتين، وما أدّى إليه النظر وفكري الفاتر. والحمد لله أولا وآخرا. اهـ.
|